توبة مدمن
يقول هذا التائب : "كان المنعطف الأول في حياتي في سن مبكرة جدا حيث كان عمري آنذاك ست سنوات
لاغير، وقبل أن أعي الحياة وأدركها كـما ينبغي صحوت على "مأساة عائلية" .
لقد طلق والدي أمي ، وانفصلت عنه ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ازداد الأمرتعقيدا حينما قررت
أمي أن تتزوج. .
واختار أبي زوجة أخرى، فأصبحت تائها ، ضائعا بين الاثنين . . وكما يقولون .
"أمران أحلاهما مر" . . فعند أبي كنت أقابل بمقالب زوجة أبي ، أما عند أمي فكان زوج أمي يكشرعن
أنيابه دائما في وجهي ، ومن الطريف أنني كنت دائما حاضرا عند كليهما، وكنت أيضا غائبا عن كليهما . .
فكنت الحاضر الغائب ، والموجود المفقود .
ومع هذا الظروف العائلية غير الطبيعية ، ومع التفكك والاضمحلال الأسري ، سقطت في هوة الإدمان
مع رفقاء السوء ، ووجدت معهم الملاذ الذي افتقدته ، والعطف والاهتمام اللذين حرمـت منهما ، طبعا لم
يكـن عطفا واهتماما خالصا لوجه الله ، وإنما من أجل الوصول إلى أغراضهم الخبيثة .
أصبحت أقضي معظم وقتي مع أولئك الأشرار مابين شرب وتعاط وإدمان ، وحينما يسألني أبي أين كنت ؟
أقول له عند أمي ، وحينما تستفسر أمي عن غيابي ، أقول لها كنت عند أبي ، وهكذا يظن كلاهما أنني
موجود، وكنت مفقودا ويعتقد كلاهما أني حاضر، وكنت في تلك الأثناء الغائب الوحيد . . الغائب عن الحياة . .
ألساقط في التيه والضياع . كان هذا هو المنعطف الذي ألقي بي في هاوية الإدمان ، ولكن كيف خرجت
إلى شط الأمان ؟
تلك قصة أخرى سأرويها لكم : ففي ليلة من الليالي ، وبعـد سهـرة تطايرت فيها الرؤوس ، وتلاعبت بها المخـدرات ،
خرجنا من "الوكر" لكي نتنفس الهواء العليل لنزيدنا طربا على طرب ! ! ونشوة إلى نشوة ! !
وبينما كنا في سعادة مرهونة غامرة ، وغيابات كاذبة ، إذ بالسيارة تنقلب عدة مرات .
كنا أربعـة من الشياطين داخل السيارة، توفي الثلاثة ولم يبق إلا أنا نجوت باعجوبة . . بفضل الله تعالى.
ومكثت في المستشفى عشرة أيام كاملة مابين الحياة والموت ، غيبوبة كاملة تماما ، كتلك التي كنت أحياها من قبل .
وأفقت من الغيبوبة الصغرى عقب الحادث ، على حقيقة الغيبوبة الكبرى التي كنت أحياها، واكتشفت نفسي
من جديد، وشعرت بالإيمان بعد أن مات الإحساس لدي ، وجمدت إلى الله ضارعا مستغفرا حامدا شاكرا
لأنه تولاني وأنقذني من موتتين : موت السيارة، وموت الإدمان ، وخرجت من المستشفى إلى المسجد مباشرة، وقطعت
كل صلتي بالماضي ، وأحمد الله أنني دخلت المسجد بدلا من السجن ، والقرآن الكريم هو أوفى صديق لي
الآن يلازمني وألازمه . هذه قصتي باختصار، وأنصح إخواني الشباب وغيرهم بالحذر من رفقاء السوء، الذين
يلبسون للناس جلود الضان من اللين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، كـما أنصحهم
بالبعد عن المخدرات فإنها رأس كل خطيئة ، والله الموفق ." . .
من كتاب التائبون الى الله للشيخ ابراهيم بن عبدالله الحازمي